حكايات من أهل دلما
حكاية قديمة
في حادث مفاجئ ذات
يوم عاصف، سقطت طائرة عسكرية صغيرة وتناثر حطامها على شواطئ أبوظبي
في منطقة الشويهات، ولكي تبقى هذه الحادثة شاهدة واقعية ملموسة
تسجل في تاريخ الجزيرة (اضغط
هنا لتشاهد الوثيقة) حيث تبرع أحد مواطني دلما وقام بنقل أجزاء
الطائرة المنكوبة ووضعها في ساحة البيت الكبير (متحف دلما اليوم)
ليشاهدها جميع سكان دلما ويقول الرواة ممن عاصروا الحادثة وشاهدوها
بأن هذا المواطن قام بهذه العملية بمفرده حيث حمل تلك الأجزاء على
ظهر أحد مراكب الصيد ونقلها إلى مكان العرض.وقد وقف المارة من سكان
الجزيرة ينظرون إليه بدهشة واستغراب.. إنها حكاية صغيرة مستوحاة من
ذكريات دلما التي لا تُنسى نُسجلها اليوم للأمانة والتاريخ.
شواهد عصر وحديث الأمس والذكريات
حديث الذكريات عن
دلما هو حديث ذو نكهه خاصة جدا لأنه يحمل في طياته صورا من الماضي
الذي نسجت الحضارة من خيوطه ثوب التطور والحداثه فهو العبق
الوجداني الذي يفوح أريجه العطر عبر أنفاس الأجيال الصاعدة جيلاً
بعد جيل .
جاعد بن سالم القبيسي
مواطن أصيل يعتز بولائه وانتمائه لأرضه وبيته وجزيرته دلما فهو من
موقع مسؤوليته كرئيس لمجلس ادارة جمعية دلما التعاونية.
ومن واقع معايشته ومعاصرته للحياة في دلما أيام زمان .. فيقول:
إن
جزيرة دلما ذات تاريخ حافل بالكفاح والمعاناة والصبر فكان في يوم
من الأيام يقطن الجزيرة بضع عائلات لا يزيد عددها عن الثماني أسر
وهم يمثلون في مجموعهم سكان الجزيرة الأصليين من مواطني دولة
الإمارات العربية المتحدة وكان أهل هذه الجزيرة يعتمدون في حياتهم
على مقومات بسيطة وإمكانات مادية متواضعة حيث اقتصر دخلهم المعيشي
على ما تجنيه رحلاتهم في البحث عن اللؤلؤ بمغاصات الجزيرة الغنية
الوفيرة وسرعان ما تطورت الحياة وانتقلت إلى أنماط أكثر حضارة إذ
لعبت الجزيرة في تلك المرحلة دوراً هاماً كمركز تجارى ومحطة إلتقاء
وانطلاق للتجار العابرين والمقيمين على أرضها.
(مأخوذ عن جريدة الخليج، جريدة الاتحاد , مجلة الشروق ، كتاب
المفصل في تاريخ الامارات للدكتور فالح حنظل ، الدكتور عبد الستار
الغزاوي) مصادر كتاب – دلما موطن الأصالة والجمال ص 58
أما المواطن
عبيد المهيري
ابن دلما البار فهو على الرغم من تقدمه في السن إلا أن حافظة
ذاكرته النابضة لاتزال تزخر بالكثير ، يحكي ويقول:
منذ حوالي 30 عاما
ونحن نعيش في الجزيرة حيث كانت الأوضاع المالية سيئة ويعيش في
الجزيرة مجموعة قليلة من السكان ، وأذكر أن عدد البيوت فيها كان في
حدود ست بيوت فقط إلا أننا كنا نعيش كأسرة واحدة نأكل مع بعض ونعمل
مع بعضنا البعض متعاونين في كل شيء كالجسد الواحد . ويقول: أنه في
تلك الفترة كانت الجزيرة تعج بتجار اللؤلؤ الذين كانوا يتوافدون
عليها من مختلف أنحاء الدولة ، ومن بعض الدول المجاورة لشراء
اللؤلؤ باعتبار أن الجزيرة مركز للغواصين كونها غنية بالآبار
الارتوازية التي تمتليء بالمياه الحلوة الصالحة للشرب .
وأذكر أننا كنا
نجتمع في منزل المرحوم محمد بن جاسم المريخي الذي يقع على إحدي
الدوارات في الشارع الرئيسي في جزيرة دلما ويطلق أهل الجزيرة على
المنزل حالياً (متحف جزيرة دلما) حيث ملتقى تجار اللؤلؤ ,, وكنا
نبيع اللؤلؤ إلى التاجر محمد بن جاسم صاحب المنزل الذي يقوم بدوره
ببيعه إلى التجار الذين يفدون الى إلجزيرة .
وبنضم إلينا في حديث الأمس والذكريات المواطن
محمد جمعة القبيسي
..قائلا:
على الرغم من وجود
وانتشار المجالس في الماضي إلا أننا كنا نستمتع بالجلوس في منزل
المرحوم محمد بن جاسم المريخي حيث النشاط والحيوية في هذا المنزل
الذي أصبح الآن ذكرى لنا ، ومعظم الوقت نمضيه في المنزل نلتقي مع
التجار ومع الأصدقاء وأهل الجزيرة حيث تتم عمليات بيع وشراء اللؤلؤ
والبضائع المختلفة.
ثم حديث آخر مع
أحد معمري دلما ,
وهو الشاعر
بيات بن محمد الهاملي
, (85 عاماً) الذي يقول:
في الماضي كان عدد
الأسر القاطنة في الجزيرة قليل جداً حيث كنا نعمل جميعا في مجال
الغوص وصيد الأسماك ، وعملت لسنوات طويلة في مجال الغوص مستخدماً
الأساليب القديمة في عملية الغوص ، وكنا نذهب في رحلات تمتد عدة
أشهر في البحر ثم نعود بعدها حاملين (الغلة) من اللؤلؤ الذي نقوم
ببيعه الى التجار الذين كانو يتجمعون في منزل المرحوم محمد بن جاسم
والذي يطلق عليه حاليا (المتحف القديم) حيث كان يعج بالنشاط
والحركة.
ويضيف : كنا نلتقي
بصورة يومية في منزل المرحوم محمد بن جاسم الذي كان من أكبر التجار
في الجزيرة وكنا نمضي بعض الوقت نتبادل الأحاديث حول هموم الحياة
اليومية وعندما يحين وقت الصلاة نتوجه الى المسجد الذي شيده
المرحوم محمد بن جاسم المريخي حيث نؤدي الصلاة ونقعد حلقات العلم .
وثيقة تاريخية
وثيقة تجارية
قديمة يرجع تاريخها إلى عام 1349 هجري حررها التاجر محمد بن جاسم
المريخي من تجار دلما الكبار المعروفين. ومن هذه الوثيقة يتضح لنا
أسلوب التعامل التجاري الذي كان سائداً في دلما أو "دلمة" كما جاء
في نص الوثيقة "أيام زمان ذلك الأسلوب الذي يدل على الدقة والترتيب
والتنظيم وسلامة اللغة وحضارة أسلوب التعامل التجاري بين الناس.
الصناعة
التحويلية
سبق أن أشرنا إلى
أهمية مركز اللؤلؤ.. صناعياً.. وقد تكون هذه العبارة أكبر من
الواقع الصناعي في الجزيرة إلا أن التاريخ الذي لعب فيه بيت
المريخي .. هذا البيت الذي نتعتبره رمزاً يجعلنا نلقي الضوء على
أهميتة كمركز صناعي.
ففي الطابق الأول
من البيت تقع هناك ثلاث مدابس .. كانت قبل مائتين وخمسين عاماً
تشكل مصدراً غذائياً مستقراً وغنياً لأهل الجزيرة والجزر المجاورة
بل وصلت إلى نسب تسمح بالتصدير.. وأن وجود هذه المدابس في مركز
اللؤلؤ.. يؤكد أن جزيرة دلما كانت في تلك الفترة من الزمن بستاناً
غنياً من النخيل والفواكه وغيرها.. فاعتماد المدابس على التمور
يشير إلى فائض كبير في الإنتاج ولولا هذا لما قامت صناعة الدبس
وتجفيف التمور والعنب وغيرها.. لقد عمل مركز اللؤلؤ على توفير
قاعدة غذائية مهمة ترتكز أساساً على منتوجات الجزيرة الزراعية
محاولاً استغلال كل الطاقات المتاحة منعاً للهدر والتفريط
وابتهاجاً لمبدأ اقتصادي يعتمد على قاعدة الإكتفاء الذاتي بل
وتصدير الفائض.
(مأخوذ عن جريدة الخليج، جريدة الاتحاد , مجلة الشروق ، كتاب
المفصل في تاريخ الامارات للدكتور فالح حنظل ، الدكتور عبد الستار
الغزاوي) مصادر كتاب – دلما موطن الأصالة والجمال ص 56، 57 ، 61
زيادة المعاملات مع الهند
ونتيجة لزيادة حجم
المعاملات التجارية بين الهند والخليج صار من الطبيعي أن فرضت
العملة الهندية "الروبية" وجودها في ميدان المعاملات في الخليج،
وقد قوىَ هذا الأمر الوجود البريطاني في الخليج، وهو وجود أصله في
الهند مما أوجد مناخاً مناسباً للوجود الهندي في شتى مناطق الخليج
ووفرت بريطانيا للجالية الهندية الحماية والأمن.
بالإضافة إلى ذلك
قام نظام الغوص على أساس حاجته للتمويل وهو أمر كان يتم قديماً عن
طريق القروض التي تقدم للعاملين في ميدان الغوص سواء كانوا من
الغواصين أو كانوا من النواخذة، وكان المصدر الأساسي لهذه القروض
ممن يملكون المال، وأتاح ذلك الوضع للتجار الهنود أصحاب رؤوس
الأموال القادرين على القيام بهذه العملية، بالمساهمة في تمويل
رحلات الغوص حيث كانوا هم بعد ذلك الذين يقومون بشراء اللؤلؤ
وتسويقه بالإضافة إلى الأرباح التي كانوا يحصلون عليها من الفوائد
نتيجة عملية الإقراض حتى أنهم أقرضوا بعض تجار اللؤلؤ العرب
أنفسهم.
وبحكم العلاقات
التجارية ارتبطت معظم المناطق التجارية في الخليج العربي ومنها
جزيرة دلما بالعملة الهندية والتي تسمى الروبية بصورة غير رسمية
منذ العام 1835 ، وقد عثر في جزيرة دلما على عملات تعود إلى العام
1835، وهي عبارة عن عملات هندية عثر عليها بجوار المباني التراثية
على عمق 35 سنتيمتراً وتظهر على هذه العملات صوراً لأباطرة انجليز
وأسماء الأباطرة، وتوجد كذلك قيمة العملة وتاريخ الضرب، هذا
بالإضافة لصور الحيوانات ربما تمثل رموزاً هندية، وهناك عملات
هندية مختلفة التواريخ تم العثور عليها، وعثر بجوار هذه العملات
الهندية على عملات محلية ضربت في منطقة الخليج العام 1315 ، ويكشف
تعدد أنواع العملات الأثرية التي عثر عليها بجزيرة دلما عن طبيعة
النشاط الاقتصادي وحجم التجارة الدولية والمحلية وحجم المعاملات في
السوقين المحلي والدولي، فالتجارة هي أكثر العوامل تأثيراً في
العلاقات بين الشعوب، و بالعثور على عملات هندية بجزيرة دلما يؤكد
ذلك على عمق التبادل التجاري بين الهند وجزيرة دلما، فالهنود
يتاجرون في السلع والبضائع الهندية، ولازم بعضهم السفن العربية
لتجارتهم واختار بعضهم الإقامة في بلاد العرب ومنهم التجار الهنود
الذين كانوا يأتون من الهند في مواسم العرب وأسواقهم.
وبذلك تكون دلما
ساهمت تاريخياً في إنعاش الاقتصاد سواء على المستوى المحلي أو
العالمي، وهي اليوم تتباهى بتاريخها العريق الذي يعود إلى أكثر من
ستة آلاف سنة.
من جريدة الاتحاد (الاقتصادي) في 31/3/2000
|